العبر و العظات :
أما عمله صلى الله عليه وسلم فى مال خديجة ’ فهو استمرار لحياة الكدح الذى بدأه برعاية الأغنام ’ ولقد شرحنا طرفاً مما يتعلق بذلك من الحكمة و العبرة .
وأما فضلها و منزلتها فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فلقد ظلت لخديجة مكانة سامية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ’ وقد ثبت فى الصحيحين أنها خير نساء زمانها على الإطلاق .
روى البخارى ومسلم أن علياً رضى الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خير نسائها مريم ابنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد .
روى البخارى ومسلم أيضا أن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : ما غرت على نساء النبى صلى الله عليه وسلم إلاّ على خديجة ’ وإنى لم أدركها ’ قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت فأغضبته يوما فقلت : خديجة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنى قد رزقت حبها .
وروى أحمد و الطبرانى من طريق مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ’ فذكرها يوماً من الأيام ’ فأخذتنى العبرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خير منها ؟ فغضب ثم قال : لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها : آمنت إذ كفر الناس ’ وصدقتنى إذ كذبنى الناس ’ وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس ’ ورزقنى الله منها الولد دون غيرها من النساء .
وأما قصة زواجه منها صلى الله عليه وسلم ة فإن أول ما يدركه الإنسان من هذا الزواج هو عدم إهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأسباب المتعة الجسدية ومكملاتها ’ فلو كان مهتما بذلك كبقية أقرانه من الشباب لطمع بمن هى أقل منها سناً أو بمن ليست أكبر منه على أقل تقدير ’ ويتجلى لنا أنه صلى الله عليه وسلم إنما رغب فىا لشرفها ونبلها بين جماعتها وقومها حتى إنها كانت تلقب فى الجاهلية بالعفيفة الطاهرة ولقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عاماً ’ وقد ناهز النبى عليه الصلاة و السلام الخمسين من العمر ’ دون أن يفكر خلالها بالزواج بأى إمرأة أو فتاة أخرى ’ وما بين العشرين و الخمسين من عمر الإنسان هو الزمن الذى تتحرك فيه رغبة الإستزادة من النساء و الميل الى تعدد الزوجات للدوافع الشهوانية .