صُوْم
التّعريف
1 - الصّوم في اللّغة : الإمساك مطلقاً عن الطّعام والشّراب والكلام والنّكاح والسّير.
قال تعالى - حكايةً عن مريم عليها السلام - : « إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً » .
والصّوم : مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.
وفي الاصطلاح : هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الإمساك»
2 - الإمساك لغةً : هو حبس الشّيء والاعتصام به ، وأخذه وقبضه ، والإمساك عن الكلام هو : السّكوت ، والإمساك : البخل.
وقوله تعالى : « فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ » أمر بحبسهنّ وهو بذلك أعمّ من الصّوم.
«ب - الكفّ»
3 - الكفّ عن الشّيء لغةً : تركه ، وإذا ذكر المتعلّق من الطّعام والشّراب كان مساوياً للصّوم.
«ج - الصّمت»
4 - الصّمت وكذا السّكوت لغةً : الإمساك عن النّطق ، وهما أخصّ من الصّوم لغةً ، لا شرعاً ، لأنّ بينهما وبينه تبايناً.
الحكم التّكليفيّ
5 - أجمعت الأمّة على أنّ صوم شهر رمضان فرض.
والدّليل على الفرضيّة الكتاب والسّنّة والإجماع.
أمّا الكتاب : فقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » وقوله « كُتِبَ عَلَيْكُمُ » : أي فرض.
وقوله تعالى : « فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ » .
وأمّا السّنّة : فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، والحجّ ، وصوم رمضان » .
كما انعقد الإجماع على فرضيّة صوم شهر رمضان ، لا يجحدها إلاّ كافر.
«فضل الصّوم»
6 - وردت في فضل الصّوم أحاديث كثيرة ، نذكر منها ما يلي :
أ - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدّم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » .
ب - وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم رمضان ، يقول : قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، كتب اللّه عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنّة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغلّ فيه الشّياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر » .
ج - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ في الجنّة باباً ، يقال له : الرّيّان ، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصّائمون ؟ فيقومون ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلم يدخل منه أحد » .
د - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له » .
«حكمة الصّوم»
7 - تتجلّى حكمة الصّوم فيما يلي :
أ - أنّ الصّوم وسيلة إلى شكر النّعمة ، إذ هو كفّ النّفس عن الأكل والشّرب والجماع ، وإنّها من أجلّ النّعم وأعلاها ، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها ، إذ النّعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت ، فيحمله ذلك على قضاء حقّها بالشّكر ، وشكر النّعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرّبّ سبحانه وتعالى بقوله في آية الصّيام : « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » .
ب - أنّ الصّوم وسيلة إلى التّقوى ، لأنّه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة اللّه تعالى ، وخوفاً من أليم عقابه ، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام ، فكان الصّوم سبباً لاتّقاء محارم اللّه تعالى ، وإنّه فرض ، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصّوم « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » .
ج - أنّ في الصّوم قهر الطّبع وكسر الشّهوة ، لأنّ النّفس إذا شبعت تمنّت الشّهوات ، وإذا جاعت امتنعت عمّا تهوى ، ولذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « يا معشر الشّباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنّه أغضّ للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم ، فإنّه له وجاء » فكان الصّوم ذريعةً إلى الامتناع عن المعاصي.
د - أنّ الصّوم موجب للرّحمة والعطف على المساكين ، فإنّ الصّائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ، ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات ، فتسارع إليه الرّقّة عليه ، والرّحمة به ، بالإحسان إليه ، فينال بذلك ما عند اللّه تعالى من حسن الجزاء.
هـ - في الصّوم موافقة الفقراء ، بتحمّل ما يتحمّلون أحياناً ، وفي ذلك رفع حاله عند اللّه تعالى.
و - في الصّوم قهر للشّيطان ، فإنّ وسيلته إلى الإضلال والإغواء : الشّهوات ، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب ، ولذلك جاء في حديث صفيّة رضي الله عنها قوله - عليه الصلاة والسلام - : « إنّ الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم ، فضيّقوا مجاريه بالجوع » .